في الأصول الأنثروبولوجية للواقعي عند لاكان (الجزء الثاني)
بقلم: فرانسوا دي سوفرزاك
إعداد: نورالدين بوخصيبي
(يواصل الكاتب و المحلل النفسي فرانسوا دي سوفرزاك تحليله لمعاني و دلالات مفهوم الواقعي عند جاك لاكان..نقدم هنا الجزء الثاني من هذه الدراسة الهامة عن هذا المفهوم الأساسي في تعليم المحلل النفسي الشهير..على أن نقدم فيما بعد الجزء الأخير الذي ينبش في الأصول الأنثروبولوجية للمفهوم...قراءة ممتعة)
و يطابق جاك لاكان الواقعي مع المتعة، التي هي ما وراء كل قبض أو تشفير
داخل الرمزي..توجد المتعة باختصار ما وراء الرمزي.. ما وراء اللغة.. المتعة بهذا
المعنى قاتلة.
و ليس مفارقة في نظرية لاكان أن يُعَيِّنَ هذا
الأخير للموت وضعيتين متناقضتين جذريا: الأب الميت يصبح هو الأب الرمزي، حارس
القانون، هو ما يحمي من المتعة القاتلة؛ أما الأم، التي هي موضوع المتعة، فإنها
تجسد الموت و الانصهار المحارمي.
و من
المعاني الأخرى للواقعي عند لاكان، ذلك الذي يجعل من ذات التلفظ استثناء من الخطاب
الذي تتلفظ به. إن الذي يؤكد أن الناس جميعهم ميتون لا يحسب من بين الأموات..كل
ذات حاملة لخطاب ما، حتى لو كان هذا الخطاب علميا، رياضيا، تُستشَفَّ من المجموع
الذي يُعَيِّنُهُ خطابها نفسه. يقول جاك لاكان: "إنني اقول الحقيقة دائما:
ليست كاملة، لأن قولها كاملة، ذلك ما لا نستطيعه. قول الحقيقة كاملة، ذلك أمر
مستحيل، من الناحية المادية: تعوزنا الكلمات لذلك. بهذا المستحيل نفسه تمسك
الحقيقة بالواقعي" (1).. إذا كان "أنا Je" يقول الحقيقة دائما، حقيقة رغبته، فإن ثمن ذلك
ألا يكون جزءا منها، ألا يكون متضمنا فيها، لأنه عندما يصرح، فهو لا يستطيع أن
يحسب نفسه من بين المصرح بهم.
الواقعي بهذا المعنى خارجي..مستحيل...
جاك لاكان |
سعى جاك لاكان إلى تأسيس منطق للتلفظ يناقض
المنطق الأرسطي أو منطق كانط المؤسس على الممكن. لا يوجد عند لاكان منطق خاص
بالمفهوم لا يتأسس على الخطاب، منطق للإقصاء، لأنه يرجع إلى طرح تمييز لذات التلفظ
عن ذات الملفوظ...
من الصعب حصر جميع معاني و استعمالات الواقعي
عند جاك لاكان (...) و من أهم ابتكارات جاك لاكان ما أطلق عليه الموضوع a (objet a). لنقل أولا إن نموذج
الموضوع هو هذا الآخر الصغير الذي رصده لاكان في مؤلفه "المركبات الأسرية"
(2) في التجربة التي وصفها القديس أوغسطين، و هي تجربة الإنفيديا Invidia: يتعلق الأمر بمنظر أو
بمشهد الأخ التالي للبكر (أو الطريد، أي الذي يولد بعد البكر) ملتصقا بثدي الأم.
إنه يثير عند البكر هذه النظرة الحاسدة التي تدمره هو نفسه. (3)
القديس أوغسطين |
من هذه التجربة استقى لاكان الموضوع a... و مثل مؤلفين آخرين يجعل لاكان من التماهي مع الآخر،
و من العدوان الذي يستثيره، أحد المنافذ الأساسية للبنية النفسية و للاضطرابات
السيكوباثولوجية التي تؤدي إليها الغيرة. لكن تكوين الموضوع يتحقق من خلال لعبة من
الانتقالات: هناك أولا مشهد الاكتمال الذي يشكله ما بعد البكر (الطريد) و ثدي
الأم، و هو منظر لا يطيقه البكر. ثم هو بعد ذلك الآخر، تالي البكر، المثيل الذي
يصبح هو الموضوع الخيالي؛ و هو أخيرا الثدي نفسه الذي يغدو هو الموضوع الواقعي سبب
الرغبة.
و لكن كذلك لأن الإنفيديا مشتقة من اللفظ
اللاتيني videre (شاهد، رآى)، فإن
المُشاهَدَ يلتفت (ينظر): المنظر يشاهد الذات. (4) فهل يتعلق الأمر هنا بتردد أم بديالكتيك؟
(يتبع)
(في الحلقة القادمة - جاك لاكان يستلهم جورج باطاي)
---------------------------------
1- J. Lacan, « L’Identification » (1961-1962), séminaire
inédit, en particulier séance du 7 mars 1962. Voir également
« L’Étourdit » dans la revue Scilicet,
n° 4, Paris, Le Seuil, 1973.
2- Lacan, 1938, Les Complexes
familiaux dans la formation de l’individu. Essai d’analyse d’une fonction en
psychologie, Paris, Navarin, 1984.
3- Saint Augustin, Confessions,
tr. P. de Labriole, Paris, Les Belles Lettres, 1969, 2 vol. Le passage
des Confessions, Livre I, ch.
VII, t. I, ne comporte pas, non plus que le contexte, le terme invidia.
4-
Thématique largement
développée par Lacan plus tard dans « Le regard comme objet petit a », dans séminaire,
Livre xi, Les Quatre Concepts fondamentaux de la
psychanalyse, 1964, Paris, Le Seuil, 1973, p. 65-109.
في الأصول الأنثروبولوجية للواقعي عند لاكان (الجزء الثاني)
Reviewed by Nouredine Boukhsibi
on
أكتوبر 16, 2017
Rating:
ليست هناك تعليقات: