مفهوم الصدمة النفسية بين فرويد و جاك لاكان (تتمة)
نورالدين بوخصيبي
تتمثل مهمة دافع الموت في العودة إلى الأصول. إلى الصدمة الأولى.. صدمة الولادة ربما.. صدمة فقدان الموضوع الذي هو ثدي الأم بكل تأكيد.. إلى الموت كأمان في مواجهة سلسلة من الفقدانات المتوجة بفقدانها الخاص. ذلك هو مبدأ "ما وراء اللذة"، هذا الإقرار الفرويدي الحزين بأن الموت ليست هي الحدث العارض، و إنما الحياة.
مفهوم الصدمة عند جاك لاكان:
في بداية الأمر، و تحديدا في سيمينير "الكتابات التقنية لفرويد" (1953-1954)، كان جاك لاكان يموقع الصدمة النفسية ضمن المستوى الخيالي. يتحث لاكان في هذا السيمينير (أو الحلقة الدراسية) عن الكسر الخيالي الناجم عن الجماع الأبوي. لكن هذا الكسر، أو هذه الصفعة، التي تكون منبثة داخل حدود الخيالي imaginaire، لا تكتسي قيمة الصدمة إلا عندما تندرج داخل لعبة الرموز. بهذا الشكل، تكون الصدمة إذن، في هذا المنظور اللاكاني، خلال هذه المرحلة من بنائه الفكري، تكون أولا خارجية المنشأ (تنشأ خارج الذات)، و ثانيا تكون عبارة عن جواز أو إمكان لأنها تظل مفتوحة على كل الاحتمالات.
و في سيمينير (حلقة) سنة 1964، أي سيمينير "المفاهيم الأربعة الأساسية للتحليل النفسي"، يعيد لاكان التفكير في مفهوم الصدمة انطلاقا من اللاوعي باعتباره فُغُوراً béance ، حيث يقوم بربط مفهوم اللاوعي بمفهوم التكرار.
و بهذا الربط بين الفغور الخاص باللاوعي، و بين اللقاء الصدمي الذي يتكرر، ينتج لاكان نسخة جديدة للصدمة كلقاء ضائع. و هكذا فإن خاصية الإمكان التي كان لاكان يؤكد عليها في بداية الأمر، تغدو مجرد مظهر، بينما الواقع العرضي هو الوسيلة التي يتكرر عبرها اللقاء الضائع.
هكذا يجعل لاكان، من خلال إدراج وظيفة الواقع في التكرار الصدمي، و من خلال جعل الصدمة لقاء بالواقعي، يجعل للواقعي و للصدمة مكانا داخل البنية لا خارجها. يمنحها وظيفة تطور الذات.
أما في السيمينير التاسع بعنوان "من الآخر الكبير لآخر" الذي ألقاه لاكان خلال سنتي 1968 و 1969، فإنه سيمفصل الصدمة، خلال نقده للفيلسوف الألماني هيجل، مع الشرخ في المعرفة. أي مع "المعرفة المنقطعة"..إن ما يعترض على المعرفة المطلقة الهيجيلية هو الصدمة الفرويدية. المعرفة موسومة بصدمة. الصدمة الفرويدية هي "أنا لا أعرف". و هو لا يعرف أنه لا يعرف. "أنا أعرف هو نفسه غير قابل للمعرفة"..النقطة الأصلية حين يتعلق الأمر بفهم اللاوعي، هي نقطة التشابك لمعرفة خائرة.
تبقى الإشارة إلى الصياغة النهائية لجاك لاكان بشأن الصدمة. و هي الصياغة التي جاءت خلال حصة 19 فبراير 1974 من سيمينير "Les non dupes errent" حيث يقول: "ثمة صدمة، هناك حيث لا وجود لعلاقة جنسية"، "ثقب داخل الواقعي".
---------------------------
مراجع:
1- Trauma originel et répétition - Le rite sacréBernard Guiter - ERES- Reveu de psychotérapie psychanalytique du groupe - 2004/1 p.p. 173- 183
2- Elizabeth Leypold
Qu'est ce qui fait trauma? Trauma et réel chez Lacan
3 - لابلانش و بونتاليس "معجم مصطلحات التحليل النفسي" ترجمة مصطفي حجازي -
تتمثل مهمة دافع الموت في العودة إلى الأصول. إلى الصدمة الأولى.. صدمة الولادة ربما.. صدمة فقدان الموضوع الذي هو ثدي الأم بكل تأكيد.. إلى الموت كأمان في مواجهة سلسلة من الفقدانات المتوجة بفقدانها الخاص. ذلك هو مبدأ "ما وراء اللذة"، هذا الإقرار الفرويدي الحزين بأن الموت ليست هي الحدث العارض، و إنما الحياة.
مفهوم الصدمة عند جاك لاكان:
في بداية الأمر، و تحديدا في سيمينير "الكتابات التقنية لفرويد" (1953-1954)، كان جاك لاكان يموقع الصدمة النفسية ضمن المستوى الخيالي. يتحث لاكان في هذا السيمينير (أو الحلقة الدراسية) عن الكسر الخيالي الناجم عن الجماع الأبوي. لكن هذا الكسر، أو هذه الصفعة، التي تكون منبثة داخل حدود الخيالي imaginaire، لا تكتسي قيمة الصدمة إلا عندما تندرج داخل لعبة الرموز. بهذا الشكل، تكون الصدمة إذن، في هذا المنظور اللاكاني، خلال هذه المرحلة من بنائه الفكري، تكون أولا خارجية المنشأ (تنشأ خارج الذات)، و ثانيا تكون عبارة عن جواز أو إمكان لأنها تظل مفتوحة على كل الاحتمالات.
جاك لاكان |
و في سيمينير (حلقة) سنة 1964، أي سيمينير "المفاهيم الأربعة الأساسية للتحليل النفسي"، يعيد لاكان التفكير في مفهوم الصدمة انطلاقا من اللاوعي باعتباره فُغُوراً béance ، حيث يقوم بربط مفهوم اللاوعي بمفهوم التكرار.
و بهذا الربط بين الفغور الخاص باللاوعي، و بين اللقاء الصدمي الذي يتكرر، ينتج لاكان نسخة جديدة للصدمة كلقاء ضائع. و هكذا فإن خاصية الإمكان التي كان لاكان يؤكد عليها في بداية الأمر، تغدو مجرد مظهر، بينما الواقع العرضي هو الوسيلة التي يتكرر عبرها اللقاء الضائع.
هكذا يجعل لاكان، من خلال إدراج وظيفة الواقع في التكرار الصدمي، و من خلال جعل الصدمة لقاء بالواقعي، يجعل للواقعي و للصدمة مكانا داخل البنية لا خارجها. يمنحها وظيفة تطور الذات.
أما في السيمينير التاسع بعنوان "من الآخر الكبير لآخر" الذي ألقاه لاكان خلال سنتي 1968 و 1969، فإنه سيمفصل الصدمة، خلال نقده للفيلسوف الألماني هيجل، مع الشرخ في المعرفة. أي مع "المعرفة المنقطعة"..إن ما يعترض على المعرفة المطلقة الهيجيلية هو الصدمة الفرويدية. المعرفة موسومة بصدمة. الصدمة الفرويدية هي "أنا لا أعرف". و هو لا يعرف أنه لا يعرف. "أنا أعرف هو نفسه غير قابل للمعرفة"..النقطة الأصلية حين يتعلق الأمر بفهم اللاوعي، هي نقطة التشابك لمعرفة خائرة.
تبقى الإشارة إلى الصياغة النهائية لجاك لاكان بشأن الصدمة. و هي الصياغة التي جاءت خلال حصة 19 فبراير 1974 من سيمينير "Les non dupes errent" حيث يقول: "ثمة صدمة، هناك حيث لا وجود لعلاقة جنسية"، "ثقب داخل الواقعي".
---------------------------
مراجع:
1- Trauma originel et répétition - Le rite sacréBernard Guiter - ERES- Reveu de psychotérapie psychanalytique du groupe - 2004/1 p.p. 173- 183
2- Elizabeth Leypold
Qu'est ce qui fait trauma? Trauma et réel chez Lacan
3 - لابلانش و بونتاليس "معجم مصطلحات التحليل النفسي" ترجمة مصطفي حجازي -
مفهوم الصدمة النفسية بين فرويد و جاك لاكان (تتمة)
Reviewed by Nouredine Boukhsibi
on
يونيو 13, 2017
Rating:
ليست هناك تعليقات: