Top Ad unit 728 × 90

مقالات

نقد سينمائي

اللاكانية النفسية في افلام روبير بيرسون

بقلم: محمد الغريب**
  
 شخصيات افلام المخرج الفرنسي روبير بيرسون، شخصيات ترفض الاخر، لا تحقق وجودها من خلاله وفقا لتعريفات النفسية اللاكانية، ووفقا للمحل النفسي البنيوي الفرنسي جاك لاكان .حيث الانا لا تترك للاخر أن يكون سيدا عليه ويحقق وجودها ويعترف بها، فهي تعيش وتتمركز داخليا حول الانا، ففي فيلم النشال، البطل لا يقترب من الاخر بمساحات معقولة واجتماعية، هو يتمركز حول الانا المتألمة، لا يتحدث، لا يظهر مشاعره، فجدلية هيجل بقراءة كوجيف حول السيد والعبد في الاشياء والعلاقات لا توجد لها اثر في فيلمية بيرسون، فوفقا لقراءة كوجيف، تكون للذات الانسانية رغبة دائما في ممارسا مع الاخر للاعتراف به والحصول علي الرضا والتقدير، ووضعه في علاقة جدلية وصراعية، وذلك من اجل الاعتراف، فيكون هناك لحظات بين الطرفين، ما بين سيد وعبد في اشياء كثيرة، انها فتح العلاقة مع الاخر، وهذه العلاقة الجدلية تنسحب من مشهدية فيلم النشال. وتحضر حالة انحصار الذات للداخل تاركة الاجتماعي والخارجي للتوظيف والمشاهدة وفقا للاكان، فالنشال في الفيلم يسير بخطوات دافعه لزيادة عزلة الانا، فحركة الذات والانا داخل المرآة ورؤية نفسها لا تري الا نفسها العميقة الداخلية، ليس هناك رغبة دولوزية للخروج والانفتاح، او رؤية الأنا في المرآة تنضج وتتطور تدريجيا..

المخرج روبير بريسون

وكل خطوات النشال الذي يدعي ميشيل في الفيلم مع نفسه ضد الجميع، فهو لا يريد علاقة السيد والعبد، ولعب احد طرفيه، فعلاقته مع الصديق ليس بها اي مساحات للحديث، فهو غير موجود اطلاقاً، و حتي مع العالم، او حتي قيامه بعمليات السرقة، فكانت هذه السرقات من اجل التعالي علي الواقع، والشعور بالتوحد والعظمة، فهي يتفوق علي الاخرين بتجاوز القانون، فجاء السياسي والوجودي والاجتماعي هنا متحديا للذات التي تريد الاختراق والتعالي، فكان التعالي دال مهم من دوال شخصية النشال، وهي دوال مسيطرة،  تريد لنفسها الوجود والصرامة حتي اي مدلول أخر.

ودائما ما جاءت الصورة في فيلم النشال لبيرسون معبرة عن اللاكانية، فالحكاية لم تتجاوز الصورة، وهي احد شروط الخطاب السينمائي المعتادة، فمثلا في اخر مشهد في الفيلم، وعدنما كان ميشيل في السجن وتزوره فتاة يتضح من الفيلم أن بينهم علاقة حب ولكنه لم يصرح بذلك أو يقول فهو يظل يكبت ذلك بكل أريحية، فعندما راها لم ينظر اليها، واستمر في الصمت، وهي تنظر له وتبكي حتي اعطي علامة اشارية ومسك يديها ولكن دون تصريح مباشر لها بأنه يحبها، فهو بذلك يشير ولكنه لا يصرح، فهو لا يريد الانفتاح دوما، وايضا الصورة كانت معبرة عن ذلك طوال الفيلم، بأنها شخصية لا تريد ان يتجاور الاخر في حياتها، فالتكوين في شقته يدل علي الوحدة والعزلة، وخطوات قدميه وهو يسير دائما لا يعبر سوي عن اللاشئ وان العالم يصر علي ان الاختيار الافضل هو رفض الاخر مهما حدث.


وتأتي اللاكانية النفسية ايضا في افلام بيرسون مثل فيلم موشيت، حيث يختفي التمثيل النفسي للذات والصور الخارجية التي تتفاعل مع الانا لشخصية البنت التي تدعي موشيت، والتي تألمت كثيرا، وهي مستسلمة للغاية، وتترك نفسها للاخرين للعبث بها، ولا تتفاعل مع اي شئ خارجي، لذا هناك رفض، لفكرة أن الانا التي لا تعيش في حقيقتها الا نادرا، وأن الذات التي تتفاعل مع الانا تعي هذه الحقيقة، وتحتوي حقيقة الانا وحقيقتها، ولكنه دائما تخضع في المقام الاول للسيطرة الصور المتخيلة الخارجية، لتأتي حقيقة الذات في المرتبة الثانية من التفاعل. فموشيت في الفيلم لا تتفاعل مع الخارج ومع العالم، فهي طيف شديد النقاء والانهزامية. وهناك رفض لجميع انواع التمثلات النفسية لشخصية موشيت، سواء التمثل الابوي او التمثل الروحي والاجتماعي والتمثل النفسي، وهذه الحالة قد تكون اكثر بؤسا من حالة شخصية النشال، فالانا لدي موشيت ليست موجودة، واللاكانية البنيوية التي قد تتسم بالفوضوية والعدمية ايضا غير موجودة، حيث نفسية موشيت لا تعيش حتي في ضلالات كما يقول لاكان في تفسيره للذات، والصورة المتخيلة لدي موشيت التي تتكون من ضلالات هي صورة بائسة، وجاءت الصورة في الفيلم معبرة للغاية.

كل شخصيات بيرسون تتقن عمق ترك العالم، عمق النفس المنعزلة، وهذه العوالم اشبه برحلة في لوحات فان جوغ الانطباعية الحزينة، ورحلة في عوالم يعتبر العالم مسرحا لرمزية القسوة، والاحتيال نحو مزيد من العزلة المفرطة، وهي تدل علي تبئير الرؤية والصورة السينمائية حول لحظات الانسان العادي في تجليه الصوفي نحو ترك العالم، وليس زمنه العام، فهناك زمن خاص لهذه اللحظات في معظم حياة البشر الاسوياء، هذه اللحظات التي تمر نجدها في مشهدية بيرسون، وايضا يجسد بيرسون اللحظات الكلية للانسان المعلن بشراهة لانعزاله المستمر، المكتئب الصارم الذي يمثل صوفية نقية للغاية، انها لحظات شعرية في غاية الجمال، هي قصائد شعر لم تنفرج وتتفجر في كلمات وسرد وقصة ادبية، انما في صور تعبر عن ذوات حزينة.


**محمد الغريب: باحث سينمائي في علاقة السينما بالفلسفة والجماليات وعلم النفس
اللاكانية النفسية في افلام روبير بيرسون Reviewed by Nouredine Boukhsibi on أكتوبر 13, 2017 Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.