مفهوم الصدمة النفسية بين فرويد و جاك لاكان
تطور منظور مؤسس التحليل النفسي سيجموند فرويد للصدمة النفسية عر المراحل الأساسية لتطوره الفكري و المعرفي خلال بنائه المتواصل لنظرية التحليل النفسي.
حدد سيجموند فرويد في مرحلة أولى مفهوم الصدمة كالتالي:
"نطلق تسمية صدمة نفسية على تجربة معاشة تحمل معها، للحياة النفسية، و خلال وقت قصير نسبيا، زيادة كبيرة جدا في الإثارة لدرجة أن تصفيتها أو إرصانها بالوسائل السوية و المالوفة تنتهي بالفشل، مما يجر معه لا محالة اضطرابات دائمة في قيام الطاقة الحيوية بوظيفتها".(1)
سيجموند فرويد |
التصور الفرويدي للعصاب بوصفه صدمة نفسية تتولد عن تعرض الطفل في مرحلة مبكرة من عمره لإغواء من شخص راشد، هذا التصور الذي كان يعتبر في البداية أن مشهد الغواية هو حدث فعلي يتعرض له الطفل في الواقع الملموس، تم تعضيده لاحقا بالتصور القائل بالاستيهام. في هذا التصور الثاني ستكف الصدمة الأولى عن أن تكون واقعية، لتغدو مجرد صدمة تحدث على المستوى الاستيهامي للطفل.
لكن هذه الصدمة الأولى تظل كامنة، أو لا يستشعرها الطفل باعتبارها صدمة فعلية إلا في مرحلة لاحقة من عمره عند تعرضه لحادثة صدمية لاحقة.
معنى ذلك أن ذكرى الصدمة الأولى هي التي تفجر لديه فيضا من الإثارات الجنسية التي تتجاوز قدرات و دفاعات الأنا، و يجد الفرد نفسه عاجزا كلية إزاءها.
إن الذكرى هي التي تجعل الحادثة الأولى حادثة باثولوجية. ذلك ما يقصده فرويد و جوزيف بروير من خلال قولهما: "الهستيرية تعاني من ذكريات".
لكن فرويد سيهجر نظرية الإغواء هذه عندما سيفرض عليه مفهوم "دافع الموت" نفسه بشكل قوي، إبان الحرب العالمية الثانية من خلال الارتباط الوثيق بين الصدمة، و الحلم، و تهديد الموت، كما عايش ذلك و عبر عنه العديد ممن عانوا من ويلات تلك الحرب الشرسة.
و قبل الوقوف عند هذا المفهوم الجديد للصدمة في علاقتها بالتكرار، نشير إلى كتابين بالغي الأهمية كان لهما تاثير قوي، إيجابا أو سلبا، على منظور فرويد لمفهوم "الصدمة".
الكتاب الأول هو كتاب المحلل النفسي النمساوي أوطو رانك OTTO RANK تحت عنوان "صدمة الولادة"..أما الثاني فهو كتاب "التحليل النفسي لأصول الحياة الجنسية" للمحلل النفسي الهنغاري ساندور فيرينزي. و هما معا كتابان يؤكدان على وجود صدمة تحدث عند الولادة حسب رانك، أو في مرحلة جد مبكرة عند فيرينزي.
ما يهمنا هنا بالأساس هو الوقوف عند مفهوم الصدمة في علاقته الوثيقة بمفهوم التكرار عند فرويد. إن ما يؤكد عليه فرويد بخصوص هذه الصدمة الأصلية هي وضعية الانفصال عن الأم. "إن الموضوع الأمومي النفسي يحل عند الطفل محل الوضعية الجنينية البيولوجية. إن الصدمة تنشأ بسبب الانفصال عن الأم، و هو انفصال يكتسي معنى بيولوجيا أولا، ثم معنى فقدان مباشر للموضوع، و فيما بعد بمعنى فقدان للموضوع ناتج بكيفية غير مباشرة"
في الأعصبة الصدمية Névroses traumatiques قلق الموت هو الذي يشتغل كصدمة ثانوية، حيث يظهر القلق في البداية كعلامة عن خطر محدق، ثم يعاد إنتاجه بشكل منتظم عندما تظهر حالة مشابهة. و ما يظهر في البداية كرد فعل صعب، ما يلبث أن يغدو بمثابة حماية ناجعة للهروب و الإفلات من الخطر المحدق.
في هذه النظرية الأخيرة يشتغل فرويد على مفهوم التكرار الذي تحدده بريجيت بالبور كالتالي:" في تمثلات الذات، في خطابها، في تصرفاتها، و في أفعالها، أو في الوضعيات التي تعيشها، هناك شيء ما يعود بلا انقطاع، في الغلب الأعم رغما عنها، و في كل الأحوال، من غير رغبة مقصودة منها" (2)
التكرار إذن هو نتيجة الصدمة: تتمثل وظيفته في التحكم فيها من خلال إدماجها في التنظيم الرمزي، من خلال اختزالها و إلغائها، لكن بلاجدوى. فهو لا يصل إلى الاضطلاع بمهمته، هذه المهمة التي يعاد توجيهها بلا انقطاع، و تنتهي بأن تؤبد إلى ما لا نهاية، محتلة كل حياة الذات. (يتبع)
(الجزء القادم خاص بالصدمة في منظور لاكان)
نورالدين بوخصيبي
مدير صفحة جاك لاكان المحلل النفسي المجدد و المشاغب
نورالدين بوخصيبي
مدير صفحة جاك لاكان المحلل النفسي المجدد و المشاغب
-------------------
هوامش:
1- لابلانش و بونتاليس "معجم مصطلحات التحليل النفسي"..ترجمة مصطفى حجازي - المؤسسة الجامعية للدراسات ص.300
2- Brigitte Balbure "Répétition" , dans R.Chemana(sous la dircetion de), dictionnaire de la psychanalyse, Paris, Larousse, p.244)
مفهوم الصدمة النفسية بين فرويد و جاك لاكان
Reviewed by Nouredine Boukhsibi
on
يونيو 12, 2017
Rating:
ليست هناك تعليقات: