في الأصول الأنثروبولوجية للواقعي عند جاك لاكان (*)
بقلم: جون فرانسوا دي سوفرزاك
إعداد و تقديم: نورالدين بوخصيبي
إعداد و تقديم: نورالدين بوخصيبي
بعد تحديد
الدلالات المختلفة لمفهوم "الواقعي عند جاك لاكان، يقوم المحلل النفسي و الفيلسوف الفرنسي جون فرانسوا دي سوفرزاك في القسم الأخير من هذه
المقالة التي نقدمها على حلقات، بتحديد الأصول الأنثروبولوجية لهذا المفهوم الذي
يعتبر من المفاهيم المركزية في تعليم المحلل النفسي الشهير...
***
مما لا شك فيه أن مفهوم الواقعي مفهوم أساسي في البناء النظري للمحلل
النفسي جاك لاكان، إلى جانب مفهومي الخيالي و الرمزي. لكن لمفهوم الواقعي معاني
مختلفة عنده، سواء تعلق الأمر بالموضوع سبب الرغبة، أو بالمتعة الأخرى غير
القضيبية، أو الصدمة، أو الغرابة المحيرة، أو اختفاء الذات.
كل هذه المعاني يمكن أن تُنتظم في مصطلح واحد:
التفرد.
يفلت الواقعي من المستويين الخيالي و الرمزي.
ذلك هو الشأن بالنسبة للموضوع a الذي لا يندرج ضمن حقل
الصورة المرآوية، أو حقل المتعة التي "تفكك"،أو تفلت من تشفير الدوال.
و عموما يمكن رصد مجموعة من الدلالات الهامة للواقعي
عند لاكان:
الواقعي كموضوع
الواقعي إذن هو موضوع الرغبة اللاواعية. و هو يتداخل، إلى حد بعيد، مع
الموضوع الجزئي للنزوة (أو الدافع pulsion) ، الذي قام مؤسس
التحليل النفسي سجموند فرويد بعزله سابقا. موضوع فمي، شرجي، قضيبي.
و هو موضوع مفقود.. أسطوري (مثله في ذلك مثل
الثدي في النزوة الفمية). و الجدير بالذكر أنه في الاقتصاد النفسي للذات، لا يحدث
أي اكتشاف للموضوع، كل ما يحدث هو لقاءات متكررة و متتالية مع بديل الموضوع
المفقود.
جاك لاكان |
و يضيف جاك لاكان إلى لائحة الموضوعات التي سبق
أن حددها فرويد، يضيف موضوعات النظرة و الصوت و اللاشيء. ثم إنه يعيد تأسيس القضيب
بوصفه خياليا.. ذلك أن لاكان لا يسعى للتفكير في النزوة (أو الدافع) فقط انطلاقا
من أصلها الإيروجيني (المثير للشهوة الجنسية)، بدعم من الحاجة و الوظيفة
الحيوية...
و يستثني التصور الجديد للخيالي عند لاكان،
بوصفه حقلا مخصوصا بعلاقة الذات بصورتها المرآوية (مرحلة المرآة)، يستثني الموضوع
كما لو أنه يفلت من الصورة المذكورة.. ذلك
هو الموضوع سبب الرغبة. بهذا المعنى، فإن الواقعي هو ما يسقط من الخيالي. إنه مثل
ما يتبقى من العلاقة بين الذات و صورتها الخاصة. هذا الموضوع يحدد بأنه ما لا يملك
صورة مرآوية. بينما الواقع الخارجي يتكون (أو يتأسس) انطلاقا من انسحاب الموضوع
سبب الرغبة.
ذلك أن الرغبة عند لاكان هي رغبة الرغبة و رغبة
اللاشيء.
و على عكس فرويد الذي أنتج تكوينا داخليا
للنزوة (الدافع) انطلاقا من استنادها على الحاجة، فإن جاك لاكان لا يتصور الموضوع
إلا بوصفه طرحا لعلاقة نرجسية مع صورة الذات، و لكبت ناتج عن خضوع الذات للغة،
للرمزي. لا تعرف الذات من أين تتكلم و ترغب. إنها تجهل أن تلفظها من مصدر هو دون
الموضوعات التي يستهدفها صراحة خطابها و رغبتها. يقول جاك لاكان في هذا الصدد:
" إن المتعة ممنوعة على من يتكلم بما هو كذلك".
هكذا فإن الموضوع الواقعي، المفقود، يتشكل
كبقية من الرمزي و الخيالي. إنه يبدو مثل ما لا يتجسد (أو لا يندرج) لا في الصورة
المرآوية و لا في مثال الأنا.
إنه بقية من انقسام الذات، انقسام يحدث لدى هذه
الأخيرة من جراء قبولها المرور عبر "موكب الدال". ذلك أن قانون اللغة
يقسم الذات إلى ذات للتلفظ و أخرى للملفوظ.
أضف إلى ذلك أن الواقعي عند لاكان هو أيضا عنصر
من البنية شأنه في ذلك شأن الخيالي و الرمزي.
و يغدو الواقعي من جانب آخر مرادفا للصدمة، لما
يستحيل ترميزه و ما يفلت من كل قبضة خيالية. (يتبع)
( في الحلقة القادمة –
الواقعي و المتعة)
Sur les
origines anthropologiques du réel chez Lacan
Cliniques méditerranéennes 2001/1 , N° 63, pp 223 - 237
إعداد: نورالدين بوخصيبي
مدير موقع المصوار للسينما و التحليل النفسي
bokhssibi@gmail.com
في الأصول الأنثروبولوجية للواقعي عند جاك لاكان (*)
Reviewed by Nouredine Boukhsibi
on
أكتوبر 09, 2017
Rating:
ليست هناك تعليقات: