من سينما التحليل النفسي..أوجه حواء الثلاث (1957)
بقلم: نورالدين بوخصيبي (x)
لعل من نافلة القول التذكير بأن الشكل الأساسي الذي ظهر به التحليل
النفسي في السينما الأمريكية هو "الطريقة العلاجية". في العديد من
الأفلام نجد ما يشبه طريقة المعالجة التي كان فرويد يزاولها بين سنتي 1880 و 1895،
أي الطريقة التطهيرية. يتعلق الأمر بتمكين المريض من استعادة بعض الأحداث الصادمة
التي ترتبط بها المشاعر المَرَضِية، و ذلك قصد تخليصه من هذه المشاعر كما في أفلام
"فجأة الصيف الأخير" (1959) للمخرج جوزيف مانكيفيتز، أو "جدار
الظلمات" (1947) للمخرج كورتيس برنهارت، أو "مارني" (1946)
لهتشكوك، أو "حفرة الثعابين" (1948) إخراج أناطول ليتفاك. في هذه
الأفلام و غيرها يكون للبطل سلوك غير عادي يمليه مصدر مجهول. و بعد صراع داخلي حاد
يتمكن "المريض في النهاية من استعادة الذاكرة المنسية التي تعطينا مفتاحا لحل
اللغز. تحرر البطل من هواجسه.. يعافى و يغدو رائقا"
من بين أفلام التحليل النفسي الأساسية التي نهجت هذه الطريقة العلاجية، اخترت الوقوف هنا عند فيلم "أوجه حواء الثلاث" (1957) للكاتب و المخرج الأمريكي نونالي جونسون Nunnaly
Johnson ( 1879- 1977).
ملصق الشريط |
يحكي هذا الشريط قصة الشابة الحسناء إيف وايت (حواء البيضاء) التي تعاني من حالات فقدان مفاجئ للذاكرة، و من
آلام غريبة في الرأس، و التي تشرع في إصدار تصرفات غريبة و غامضة.
و نظرا لتفاقم حالتها
النفسية، تضطر، مرفوقة بزوجها، إلى استشارة الطبيب النفسي نورمن لوثر. خلال الجلسات معها يتضح
تدريجيا أن المرأة تعاني من ازدواجية في الشخصية، حيث ما تلبث أن تتحول إلى شخصية أخرى، شخصية فتاة حيوية
و نشيطة، مناقضة كلية لشخصيتها الأولى، الهادئة و المتزنة، و تحمل اسما آخر هو إيف
بلاك (أو حواء السوداء). بعد أشهر من العلاج لا تجدي معها نفعا، إذا بشخصية ثالثة
تنبثق من داخلها، هي شخصية "جين"، التي تظهر أكثر توازنا من الشخصيتين السابقتين...
القسم الأكبر من الفيلم يبين كيف يحاول الدكتور
لوثر أن يستوعب الشخصيتين المتنافستين. و هو يحث المرأة و ينجح أخيرا في استحضار ذكرى من
طفولتها قد تكون تسببت في صدمتها. كانت جدتها التي تكن لها حبا كبيرا قد أسلمت
الروح لخالقها لما كان عمر الطفلة ست سنوات.
لكن الطفلة سيتم إرغامها، تماشيا مع تقاليد
العائلة، على تقبيل جدتها و هي ميتة. هذا الحدث المنفر و الصادم تسبب في إحداث انشطار قوي داخل شخصيتها، بحيث أضحت تحمل بداخلها شخصيتين متناقضتين. عندما ستنبثق
الشخصية الثالثة كما أسلفت، تتمكن من التذكر بفضل الدكتور لوثر، و مع التذكر يتضح
ما حدث للفتاة خلال تلك الطفولة الغابرة، و ما أدى إلى انشطارها..تتزوج حواء أخيرا من رجل سبق أن صادفته و
نشأت بينهما علاقة حب، و تستعيد ابنتها بوني التي كانت قد أنجبتها من زوج سابق.
و الجدير بالذكر أن الفيلم مقتبس عن قصة حقيقية
لسيدة كانت تعاني من انشطار في الشخصية، تدعى كريس كوستنر سيزومور، و بالضبط من كتاب
لها يحمل نفس العنوان كان قد نشر سنة 1957 أي مباشرة بعد وقوع تلك الأحداث. و تجدر
الإشارة أيضا إلى أن سيزومور في كتابها "أنا حواء" الذي قامت بنشره بعد خروج الفيلم إلى الوجود، عبرت عن امتعاضها من الفيلم الذي لم يوفق في نظرها في التعبير عن حياتها بشكل
دقيق، مما جعله يسقط في الاختزال و التبسيط. شريط "أوجه حواء الثلاث" كما قلت هو من إخراج القاص و السنارست و المنتج و المخرج الأمريكي نونالي جونسون سنة 1957 و هو من بطولة جان وودوارد التي أدت دور بطلة الفيلم حواء و التي تمكنت بفضل هذا الدور المركب و الشيق من انتزاع أوسكار أحسن ممثلة خلال نفس السنة. إنتاج "Twentieth Century Fox" ..مقتبس عن رواية للدكتور "كوربيت تيغبين" عن حالة عيادية واقعية..موسيقى روبير إيميت دولان، تصوير ستانلي كورتيز..بالأبيض و الأسود...
كل قوة الفيلم تكمن في الشخصية المركبة التي أدتها الممثلة الجميلة جان وودوارد، مثلما هو يشكل وثيقة هامة من وثائق سينما التحليل النفسي الأمريكية..
نورالدين بوخصيبي
ناقد سينمائي و باحث في التحليل النفسي من المغرب صاحب موقع "المصوار" للسينما و التحليل النفسي
من سينما التحليل النفسي..أوجه حواء الثلاث (1957)
Reviewed by Nouredine Boukhsibi
on
يونيو 28, 2017
Rating:
ليست هناك تعليقات: