من سينما التحليل النفسي .."فجأة الصيف الأخير " (1959) لمانكفيتز
بقلم: نورالدين بوخصيبي
في بداية احتضان السينما الأمريكية للتحليل النفسي، كان نموذج المحلل النفسي، هو نموذج الرجل العارف بكل شيء، البطل المحبو بقدرة خارقة على حل الألغاز المستعصية للنفس البشرية، على النبش في الظواهر الخفية المنسية، في أفق تحرير الشخصية من مخاوفها و مركباتها المستعصية..و استمر هذا النموذج لفترة طويلة من الزمن قبل أن يتصدع بفعل عوامل ترتبط بطبيعة المجتمع الأمريكي نفسه.
في بداية احتضان السينما الأمريكية للتحليل النفسي، كان نموذج المحلل النفسي، هو نموذج الرجل العارف بكل شيء، البطل المحبو بقدرة خارقة على حل الألغاز المستعصية للنفس البشرية، على النبش في الظواهر الخفية المنسية، في أفق تحرير الشخصية من مخاوفها و مركباتها المستعصية..و استمر هذا النموذج لفترة طويلة من الزمن قبل أن يتصدع بفعل عوامل ترتبط بطبيعة المجتمع الأمريكي نفسه.
من بين هذه الأفلام التي ترصد شخصية المحلل النفسي في بعدها البطولي، أقف هنا بصفة خاصة عند شريط "فجأة الصيف الأخير" Suddenly last summer 1959 للمخرج الأمريكي جوزيف ل مانكيفيتز..
يحكي فيلم "فجأة الصيف الأخير" لمانكيفيتز، المقتبس عن مسرحية
للكاتب الشهير تينيسي وليامز، قصة تجري وقائعها سنة 1937 بمدينة أورليانز الجديدة
الأمريكية، بطلها الدكتور كوكروفيتز (مونتجمري كليفت Montgomery Clift ) الذي كان في البداية يشتغل في الطب النفسي و
الجراحة العصبية، في ظروف صعبة داخل مستشفى تنعدم فيه الشروط الكفيلة بمعالجة طبية سليمة، كما يظهر لنا ذلك المشهد الأول في الشريط حيث يبدو الدكتور كوكروفيتز عاجزا عن إجراء عملية جراحية بسبب سوء أحوال المستشفى و تدني إمكانيات العلاج به.
تقترح
عليه أرملة غنية هي فيوليت فونيبل (كاثارين هيببورن Katharine Hepburne ) أن تقوم بدعم مادي للجناح الخاص بالجراحة العصبية،
شريطة أن يجري عملية جراحية على الدماغ لابنة أخيها كاثرين (إليزابيث تايلورElizabeth Taylor) التي سبق لها أن تلقت صدمة حادة من جراء النهاية المأساوية لابن عمها سيباستيان (ابن كاترين)، مما أدى بها إلى الغرق
في مستنقع الجنون.
لكن عوض إجراء العملية الجراحية، مضى الدكتور في اتجاه آخر، و هو محاورة كاترين للحصول منها على الحقيقة التي أدت إلى صدمتها و غرقها في الجنون. تدريجيا تبدأ الحقيقة في الانكشاف..يتضح أن سيباستيان، الذي كان شاعرا، و مثليا، كان يوظف أمه كطعم لاجتذاب شباب يمارس معهم الجنس. و لأن أمه أضحت عجوزا و فقدت قدرتها على الإثارة الجنسية، فقد استبدل بها سيباستيان كاترين الشابة الحسناء، التي سافر معها في رحلة سياحية ستكون هي الرحلة الأخيرة حيث سيلقى حتفه.
لكن عوض إجراء العملية الجراحية، مضى الدكتور في اتجاه آخر، و هو محاورة كاترين للحصول منها على الحقيقة التي أدت إلى صدمتها و غرقها في الجنون. تدريجيا تبدأ الحقيقة في الانكشاف..يتضح أن سيباستيان، الذي كان شاعرا، و مثليا، كان يوظف أمه كطعم لاجتذاب شباب يمارس معهم الجنس. و لأن أمه أضحت عجوزا و فقدت قدرتها على الإثارة الجنسية، فقد استبدل بها سيباستيان كاترين الشابة الحسناء، التي سافر معها في رحلة سياحية ستكون هي الرحلة الأخيرة حيث سيلقى حتفه.
نظم الدكتور لقاء عائليا بالفيلا الفسيحة لفيوليت حيث كان يقيم سيباستيان قبل مقتله. و تحت تأثير التنويم المغناطيسي، تحول هذيان كاثرين إلى حكي منسجم، لتنفجر الحقيقة مدوية في النهاية. خلال
الرحلة الأخيرة إلى بلدة صغيرة بإسبانيا، تمت محاصرة سيباستيان ثم التهامه من قبل مجموعة من
الشباب المتسولين. استعادة هذه الذكرى التي كانت مكبوتة في لاوعي البطلة، أعادت كاثرين إلى صوابها، لكنها
تسببت في صدمة قوية للسيدة فونيبل أم سيباستيان، علما أن هذا الأخير على الرغم من كونه في محور أحذاث الفيلم، فهو لم يظهر في أي مشهد من مشاهد الشريط..
لا يخرج الفيلم عموما عن تلك الأشرطة السينمائية الكلاسيكية التي جعلت من المحلل النفسي بطلا على مقياس البطل الهوليودي الذي يتمكن بآلياته الخاصة من الكشف عن الحقيقة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير الأمور نحو الأفضل (النهاية السعيدة)، من خلال التحرر من الذكريات الصادمة عبر الكلام. و تلعب العلاقة العاطفية (علاقة الحب) إزاء المحلل/البطل دورا أساسيا في هذا التحول..و هذه التيمة، تيمة الحب بين المحلل و المريض النفسي كانت بدورها حاضرة بكثرة في أفلام التحليل النفسي الأمريكية كما هو شأن بصفة خاصة في شريط هتشكوك "منزل الدكتور إدواردز".
لكن الفيلم مع ذلك يتطرق لقضايا حساسة من قبيل الجنسية المثلية و زنا المحارم و أكل لحم الإنسان cannibalisme ، و هي التيمات التي كان تينيسي وليامز يعرف كيف يطرحها في نصوصه المسرحية بحس إبداعي كبير و بجراة نادرة..كما أن قوة الفيلم تكمن في التحكم في الفضاء الفيلمي،الذي يغدو الشاهد الأساسي و الناطق بحقيقة شخصية و عقلية سيباستيان الذي لا نشاهده كما سبق أن قلت..لكنه روحه تتجلى من خلال الفيلا الشاسعة الخلابة التي كان يقطن بها..كما تتجلى قيمة الفيلم في تمكنه من توظيف مكون خارج الحقل، في ارتباط بالغياب، غياب سيباستيان و غياب الحقيقة في لاوعي البطلة كاثرين.
شريط "فجأة الصيف الأخير" كما أسلفت تم إنتاجه سنة 1959 بالولايات المتحدة الأمريكية. إخراج جوزيف ل مانكفيتز..سيناريو غور فيدال، عن مسرحية لتينيسي وليامز ، الصورة: جاك إدليارد ، ديكور أوليقير ميسيت ، إنتاج سام سبييغل ، بطولة إليزابيث ثايلور ، كاثارين هيببورن ، مونتغمري كليفت...المدة: 1 ساعة و 45 دقيقة..باللونين الأبيض و الأسود..لا يخرج الفيلم عموما عن تلك الأشرطة السينمائية الكلاسيكية التي جعلت من المحلل النفسي بطلا على مقياس البطل الهوليودي الذي يتمكن بآلياته الخاصة من الكشف عن الحقيقة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير الأمور نحو الأفضل (النهاية السعيدة)، من خلال التحرر من الذكريات الصادمة عبر الكلام. و تلعب العلاقة العاطفية (علاقة الحب) إزاء المحلل/البطل دورا أساسيا في هذا التحول..و هذه التيمة، تيمة الحب بين المحلل و المريض النفسي كانت بدورها حاضرة بكثرة في أفلام التحليل النفسي الأمريكية كما هو شأن بصفة خاصة في شريط هتشكوك "منزل الدكتور إدواردز".
كاثرين (إليزابيث تايلور) بطلة الشريط |
لكن الفيلم مع ذلك يتطرق لقضايا حساسة من قبيل الجنسية المثلية و زنا المحارم و أكل لحم الإنسان cannibalisme ، و هي التيمات التي كان تينيسي وليامز يعرف كيف يطرحها في نصوصه المسرحية بحس إبداعي كبير و بجراة نادرة..كما أن قوة الفيلم تكمن في التحكم في الفضاء الفيلمي،الذي يغدو الشاهد الأساسي و الناطق بحقيقة شخصية و عقلية سيباستيان الذي لا نشاهده كما سبق أن قلت..لكنه روحه تتجلى من خلال الفيلا الشاسعة الخلابة التي كان يقطن بها..كما تتجلى قيمة الفيلم في تمكنه من توظيف مكون خارج الحقل، في ارتباط بالغياب، غياب سيباستيان و غياب الحقيقة في لاوعي البطلة كاثرين.
اضغط هنا لمشاهدة الشريط
من سينما التحليل النفسي .."فجأة الصيف الأخير " (1959) لمانكفيتز
Reviewed by Nouredine Boukhsibi
on
يوليو 13, 2017
Rating:
ليست هناك تعليقات: